تمكّن المهندسون الزراعيون في "جولان للارشاد والبحث الزراعي" ومقره في مجدل شمس من تسجيل مرض فطري جديد على الكرز كان الخبراء والباحثين الاسرائيليين ينسبونه الى مرض فطري آخر، وتنبع أهمية هذا الانجاز نظراً للخصائص الشرسة للمرض الجديد في الأجواء الجوية الرطبة في حال لم تتم مكافحته بالوقت المطلوب، الأمر الذي ينسف من جذورها - من اليوم وصاعداً - النظرية السائدة لدى بعض المزارعين في الجولان بأن أشجار الكرز ليست بحاجة الى مكافحة.
يُطلق على المرض المُسجل "تبقع أوراق الكرز" ويسببه الفطر Blumeriella jaapii، وهو مرض فطري يُصيب أشجار الكرز في العديد من دول العالم، لكنه غير مُسجّل في وزارة الزراعة الاسرائيلية ضمن الأمراض الموجودة في بساتينها، وينسب الخبراء والعاملين في وقاية النبات التابعين لها ظواهر هذا المرض الى "سركوسبورا" وهو مرض فطري أخر على الكرز، لكنه مرض "مسالم" حتى في أكثر الظروف الجوية الملائمة لتطوره، على عكس المرض المكتشف الذي يمكن أن يقضي على البساتين في حال توفرت الظروف الجوية الملائمة بغياب سبل المكافحة.
يقول المهندس الزراعي شحاذه نصرالله (ماجستير وقاية نبات): "نهاية الاسبوع الماضي وصلنا الى منطقة رويسة المحروقة لمعاينة بستان كرز تظهر على أشجاره كثرة الأوراق الصفراء التي تبدأ بالتساقط بشكل كثيف، وكانت وجهة نظر المزارع بأنه رش البستان بمبيد كيميائي أثر سلباً على حساسية الأشجار للمبيد فظهرت على الاوراق الحساسية السمية وبالتالي تحولت الأوراق الى الأصفر ثم بدأت بالتساقط، لكن الأمر لم يكن مقنعاً، لذلك بدأنا المقارنة مع البساتين المجاورة التي لم تستعمل ذات المبيد، ومع تلك التي لم تُرش مطلقاً منذ بداية الموسم في الوقت الذي تظهر عليها ذات الظاهره، بعد ذلك تم وضع عدة احتمالات لوجود الظاهرة منها أن يكون مرض فطري جديد غير معروف حتى الآن. وبعد سقوط كافة الاحتمالات التي وضعناها، أرسلنا بعض الصور الى نظرائنا العاملين في ذات المجال للوقوف على إن كانوا قد شاهدوا هذه الظاهرة من قبل.. وعندما كانت الاجابة بالنفي والاتجاه لديهم أنه نتيجة لحساسية سمية من رش بعض المبيدات، قررنا نحن المهندسين الزراعيين في المركز أخذ عينات أوراق للفحص المخبري لدينا.
يقول المهندس الزراعي منير سماره (ماجستير وقاية نبات): الحقيقة أنه منذ البداية كانت اصابع الشك تدور حول مرض تبقع اوراق الكرز، لكننا ارجأنا الفحص المخبري لسببين: الأول للتأكد المطلق أن الظاهرة ليست حالة غير طبيعية أو تشابك أكثر من حالة غير معدية(حساسة سمية، سوء تغذية، الطقس الخماسيني، نقص تروية، نوع التربة...)، والثاني أن المرض المشكوك به غير مُسجل.. وبالفعل، نتائج الفحص لعينات الأوراق تحت المجهر بعد الحضن أظهرت أبواغ الفطر في الحالة الكونيدية، الأمر الذي أثبت أن الظاهرة الجديدة هو مرض جديد على مزارعي الجولان والمنطقة وعلينا كمهندسين زراعيين الحذر منه واضافته الى قائمة الهموم الزراعية.
يقول السيد فايز الصفدي - ناشط في المجال الزراعي - (علاقات عامة في جولان للارشاد الزراعي): الحقيقة أن التشخيص للمرض على الكرز تم خلال وقت قياسي قصير، وجاءت نتيجة الفحص المخبري بعد يومين فقط من معاينة البستان المتضرر، بل زد على ذلك أن وصفة وقائية علاجية للبستانين المتضررة صدرت حالا مع التأكد أن الحالة مرض معدي، الأمر الذي يؤكد أن مزارعينا بحاجة الى مرافقة كادر مهني علمي من المهندسين الزراعيين الذين يستطيعون بالشكل العلمي تحديد المشكلة واعطاء الحل بالوقت الحقيقي.
من جهته يقول د. تيسير مرعي أحد أعضاء "جولان للارشاد والبحث الزراعي": هذا التشخيص السريع والعلمي لمرض قائم غير مُسجّل (لا أحد من الخبراء عرف أنه موجود) والذي تفاقم في ظروف جوية لاءمت تطوره يشير الى أن طواقمنا العلمية في المجال الزراعي - كما باقي طواقمنا العلمية في المجالات الأخرى- تستطيع أن تعطي الأفضل فيما لو توفرت لها الظروف، ونحن نسعى بهذا المركز للحفاظ على الزراعة في الجولان وتطويرها كونها رافداً اقتصادياً هاماً يتكىء عليه الكثير من العائلات الجولانية ورافداً مهماً في السياحة والايدي العاملة.
يُذكر أن "جولان للارشاد والبحث الزراعي" أُقيم هذا العام بتمويل من مزارعي الجولان عبر عدد من برادات تخزين الثمار وجمعيات الري، وتتلخص نشاطاته بتوجيه المزارعين بأوقات المكافحة وأنواع المبيدات وكيفية التسميد، بالاضافة الى مساعدة المزارعين بحل مشاكل نمو يواجهونها في بساتينهم، كما يرصد المهندسون الزراعيون ديناميكية طيران الآفات الاقتصادية التي تصيب أشجار التفاح والكرز عبر نشر أعداد كبيرة من مصائد دودة ثمار التفاح وذبابة البحر الابيض المتوسط، كذلك رصد دودة ثمار التفاح المتخفيه - وهي آفة شرسة جديدة تضرب محاصيل الحمضيات والرمان في الجنوب ومنطقة الساحل والوسط الاسرائيلي ويُخشى تفشيها الى مناطق جديدة منها الى الجولان. كما يعمل المهندسون الزراعيون مع مراكز استشعار تطور الأمراض الفطرية والبكتيرية التي تصيب الأشجار المثمرة بالاعتماد على محطات الرصد الجوي لتحديد الزمن الحقيقي لتنفيذ عمليات الوقاية.
التعريف العلمي للمرض الذي أظهره المختبر المتواضع اعتماداً على المعلومات العلمية لمهندسي "جولان للارشاد والبحث الزراعي" لاقى اهتماماً واسعاً لدى الباحثين والمرشدين الزراعيين في وزارة الزراعة الاسرائيلية، فتحول أحد البساتين المتضررة الى مقصد للمشاهدة وأخذ العينات، وتم اقرار اقامة تجارب ميدانية لفحص فعالية مبيدات فطرية كيميائية وبيولوجية مختلفة على المرض للوصول الى أفضل نتائج للمكافحة.
|