عاد الحديث أخيراً عن مشروع لتصدير النفط العراقي عبر سوريا، الأمر الذي يعني العمل على تأهيل خط الأنابيب المتوقف منذ بداية الثمانينيات، أو مدّ خط أنابيب جديد. لكن يبدو أن إيران لن تكون بعيدة عن هذا المشروع
مع أن مشروع تصدير النفط العراقي عبر سوريا لم يتعدّ في كل مرة يطرح فيها مرحلة التفكير والمبادئ، فإن ما يواجه كلاً من سوريا والعراق وإيران حالياً من ضغوط وعقوبات أميركية، وما تشهده منطقة الخليج من تطورات لا يُعرف كيف ستؤول نهايتها، يدفع المشروع مجدداً إلى واجهة الاهتمامات الجدية للدول الثلاث، مع توقعات ببدء مناقشة إجراءات التنفيذ، التي ستكون طويلة ومكلفة مالياً، ولا سيما أن تصدير النفط الإيراني والعراقي عبر المرافئ السورية يحقق ثلاث فوائد في آن واحد. فمن جهة، تضمن طهران وبغداد بديلاً اقتصادياً استراتيجياً لتصدير نفطها في ظل التهديد المستمر، وحالة اللااستقرار في مضيق هرمز. ومن جهة ثانية، سيوفر المشروع مزيداً من الوقت والتكلفة.
المنفعة الثالثة تكمن في نجاح الدول الثلاث، المصنفة حالياً ضمن محور سياسي واحد، في تشكيل نواة لتعاون وتكامل اقتصادي بعيد المدى على غرار بعض التجارب العالمية، وهذا هو «الأمثل» في رأي خبير الطاقة الدكتور زياد أيوب عربش الذي يؤكد، في حديث إلى «الأخبار»، أن «وجود تعاون مشترك... هو الخيار الأفضل، فالعراق محكوم بميناء ضيق، وسوريا تمثل بوابة نفطية للبلدين، ولن نذكر بقية الدول التي اتخذت موقفاً عدائياً من سوريا لأسباب عدة، منها محاولة تحجيم دورها في طرق العبور ما دامت لم ترتهن لهم».
على عكس الاعتقاد السائد، لم يكن طرح المشروع نتيجة الظروف الحالية المحيطة بالدول الثلاث، كذلك فإن إيران ليست صاحبة المبادرة، والأهم أيضاً أن التعاون النفطي بين الدول الثلاث أُطّر سابقاً في مشروعين تبلغ تكلفتهما نحو 18 مليار دولار. فالخطوة التنفيذية الأولى لهذا التعاون، وفق مسؤول نفطي سابق تحدث إلى «الأخبار»، جرت في 2010 مع توقيع كل من سوريا والعراق مذكرة تفاهم لتنفيذ مشروع لنقل نفط الأخير إلى موانئ التصدير السورية. يذكر المسؤول السابق أن تنفيذ المشروع وفق مذكرة التفاهم كان سيصير على مرحلتين: الأولى تتضمن إنشاء خط لنقل النفط الخفيف بطاقة قدرها 2.25 مليون برميل يومياً، مع إنشاء خط غاز موازٍ له لتأمين الوقود الغازي اللازم لمحطات ضخ النفط على طول مسار الخط البالغ نحو 1278 كلم. والمرحلة الثانية إنشاء خط آخر لنقل النفط الثقيل بطاقة قدرها 1.5 مليون برميل يومياً، وخط آخر لتصدير الغاز الطبيعي من العراق إلى سوريا أو دول الجوار. وقد قُدّرت آنذاك التكلفة التقديرية للمرحلتين بنحو 10 مليارات دولار أميركي.
المشروع الثاني، وهو ظهر رسمياً بعد ثلاث سنوات على طرح الأول، يتضمن إنشاء خط أنابيب لتصدير الغاز الإيراني إلى السوق الأوروبية عبر العراق، فسوريا، فاليونان وإيطاليا، وقد وُقِّعَت في 2013 اتفاقية إطارية بين الدول الثلاث المذكورة لتنفيذ مشروع نقل الغاز الإيراني عبر العراق إلى سوريا. ويتضمن المشروع إنشاء خط أنابيب لنقل الغاز الطبيعي بطول 185 كلم، وباستطاعة نقل قدرها 110 ملايين م3 من الغاز يومياً. وقد قُدّرت تكاليف تنفيذ المشروع حينذاك بنحو ثمانية مليارات دولار.
مادة إعلانية
كل الحسابات تغيرت! بعد سنوات على توقيع الاتفاقيتين المذكورتين، لم تتغير الحسابات المالية للمشروعين فقط، بل تغيرت الحسابات السياسية والاقتصادية، فالوجود الأميركي في الشرق السوري وحضور القوات المتزايد في العراق بحجة القضاء على تنظيم «داعش» زادا المخاطر التي يمكن أن تواجه المشروعين، ولا سيما أن واشنطن، وفق الدكتور عربش، تسعى للإمساك جيداً بمنابع النفط والغاز وتدفقاتهما وأسعارهما في السوق العالمية «بغية التحكم بإمدادات الطاقة المتجهة نحو الدول المنافسة اقتصادياً لها، كالصين»، كذلك فإنّ من غير المتوقع أن تقف إدارة دونالد ترامب مكتوفة الأيدي، وهي ترى إجراءات حصارها النفطي لطهران ودمشق تنهار أمام ناظريها.
أيضاً لا تخرج إسرائيل خارج دائرة الحسابات المفترضة، خاصة أنها تعمل منذ بداية الحرب السورية على مشروع يجعل مرافئها بوابة للخليج وبعض الدول العربية نحو أوروبا والعالم، سواء لتجارة ونقل الترانزيت، أو لتصدير النفط والغاز. ومع «صفقة القرن» والتطبيع الخليجي المتزايد، ستتمسك إسرائيل أكثر بمشروعها الذي قد يكتب له التحقق على الأقل لبعض دول الخليج كالسعودية. وقبل سنوات كان ثمة طرح دعمته أطراف عربية، تمثل في تأمين مستوردات العراق عبر ميناء حيفاء عوضاً من مرفأي طرطوس وبيروت، لكن أطراف عراقية وطنية عارضته جملة وتفصيلاً.
أما تركيا التي لا تقل أهمية كبلد عبور، فإن حساباتها السياسية جعلتها تخرج من المشهد الإقليمي للطاقة رغم استمرار تعويلها على قطر «المخنوقة» حالياً من السعودية. ويبقى السؤال: ماذا عن موقف روسيا، هل ستسمح للغاز الإيراني بأن ينافس إمداداتها المتجهة إلى السوق الأوروبية، وهي التي يقال إنها أفشلت مشروعاً قطرياً مشابها قبل سنوات؟ تذهب معظم التحليلات إلى أن موسكو تفضّل وجود شريك أو حليف غازيّ لها في السوق الأوروبية، على أن تدخل في مواجهة مع منافس مدعوم أو محسوب على الولايات المتحدة. وكما يشير عربش، هناك دول مستهلكة تنظر بعين الرضى إلى بروز قوى إقليمية تحدّ الهيمنة القطبية الوحيدة، خاصة بعد خسارة واشنطن فرصة تاريخية من انهيار الاتحاد السوفياتي لقيادة العالم، ولذلك «يصبّ تمرير الأنبوب النفطي والغازي الإيراني في مصلحة موسكو مرحلياً».
المستفيد الأكبر إذا كانت التطورات السياسية والعسكرية التي أعقبت توقيع الاتفاقيتين تفرض إعادة قراءة ما حملته تلك التطورات من متغيرات جيوسياسية وتأثيراتها المحتملة في المشروعين قبل المباشرة في أي منهما، فإن الحسابات الاقتصادية المشتركة والخاصة للدول الثلاث تضغط للإسراع في التنفيذ؛ يبدو أن سوريا ستكون الأكثر تنوعاً في الفائدة الاقتصادية المتحققة لها، والتي أبرزها دون شك تأكيد الأهمية الجغرافية لها كبلد عبور لإمدادات الطاقة بمختلف أنواعها، وتالياً تشجيع دول أخرى في المنطقة لإقامة مشاريع مشابهة. وكما يذكر المسؤول النفطي السابق، هناك ست مصالح يمكن لدمشق أن تستفيد منها في حال تصدير النفط العراقي والغاز الإيراني عبر المرافئ السورية. أولى هذه المصالح «تأمين مصادر مستقرة للنفط والغاز من شأنها سد جزء من احتياجات البلاد، وتحقيق الأمن الطاقي للدولة السورية» في الوقت الراهن والمستقبلي، إضافة إلى «الحصول على إيرادات مالية تدعم الخزينة العامة لقاء أجور النقل والترانزيت لكميات لنفط والغاز عبر المرافئ». كذلك، يتعدى الطموح السوري مسألة تأمين النفط الخام والإيرادات المالية المتحققة إلى الرغبة أن يفتح المشروعان الباب أمام الشركات والدول لإقامة صناعات متطورة داخلها تحتاج إلى النفط والغاز كالصناعات البتروكيميائية والتكرير، وهو ما يمثل داعماً مهماً للاقتصاد مستقبلاً.