لم تكمل الهدنة التي دخلت أخيراً حيّز التنفيذ في منطقة «خفض التصعيد» في إدلب ومحيطها، يومها الرابع. كما كان متوقعاً، سقطت الهدنة بفعل عدم تحقق أيٍّ من الشروط التي أعلنتها دمشق لضمان استمرارها، إضافة إلى غياب أي بوادر إيجابية من قِبَل المجموعات المسلحة، وتركيا أيضاً. يجري هذا بينما يزداد الحديث عن عملية عسكرية تركية وشيكة في شرق الفرات، تسعى واشنطن إلى تنسيقها مع أنقرة، لضمان أمن المنطقة التي تسيطر عليها حليفتها «قسد».
استأنف الجيش السوري عملياته في ريف حماة الشمالي وريفَي إدلب الجنوبي والغربي، بعدما شهدت جبهات المنطقة هدوءاً امتدّ لثلاثة أيام بفعل الهدنة التي توصّل إليها الأطراف تزامناً مع انطلاق اجتماعات «أستانا 13» يوم الجمعة الماضي. وتجدّد القصف بعد وقت قصير من اتهام قيادة الجيش السوري «المجموعات الإرهابية المسلحة، المدعومة من تركيا»، بأنها «رفضت الالتزام بوقف إطلاق النار، وقامت بشنّ العديد من الهجمات على المدنيين في المناطق الآمنة المحيطة». وأعلنت القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة، في بيان أمس، أنها «ستستأنف عملياتها القتالية ضد التنظيمات الإرهابية، بمختلف مسمياتها»، انطلاقاً من «كون الموافقة على وقف إطلاق النار كانت مشروطة بتنفيذ أنقرة التزاماتها بموجب اتفاق سوتشي، وعدم تحقق ذلك». وبعد بيان الجيش مباشرة، ذكرت وكالة «سانا» الرسمية أن المجموعات المسلحة «استهدفت قاعدة حميميم الجوية بمجموعة من القذائف الصاروخية»، ليتبع ذلك بيان لوزارة الدفاع الروسية تؤكد فيه الاستهداف، وتنفي تعرض جنودها لأي إصابة، مشيرة إلى أن «القذائف سقطت على قرية رويسة عفيف القريبة من القاعدة، ما أدى إلى إصابة 4 من أهاليها».
وينصّ اتفاق سوتشي، الموقّع في أيلول/ سبتمبر 2018، على إقامة منطقة منزوعة السلاح بعمق 15 إلى 20 كلم، تفصل بين مناطق سيطرة الجيش السوري والفصائل المسلحة. كما يقضي بسحب الأخيرة أسلحتها الثقيلة والمتوسطة منها، وانسحاب المجموعات المصنّفة «إرهابية» نهائياً من هناك. ويستند موقف دمشق في استئناف العمليات العسكرية، بشكل أساسي، إلى عدم وفاء أنقرة ببنود الاتفاق، وتقاعسها عن ممارسة الضغط المطلوب على المسلحين من أجل ذلك. وبعد موافقة الحكومة السورية على الهدنة الأخيرة، خرج القائد العام لـ«هيئة تحرير الشام»، أبو محمد الجولاني، السبت الماضي، ليعلن أن فصيله لن ينسحب من المنطقة المنزوعة السلاح، مؤكداً «(أننا) لن نتموضع لا بناءً على طلب الأصدقاء ولا الأعداء». ومنذ إعلان الجولاني، بدا أن الهدنة معرّضة للسقوط في أي لحظة، وهو ما حدث بالفعل يوم أمس.
وفي أعقاب الإعلان السوري وقف الالتزام بالهدنة، نفذ الجيش سلسلة ضربات على مواقع انتشار المجموعات المسلحة في ريفي حماة الشمالي وإدلب الجنوبي. وذكرت وكالة «سانا» أن الاستهداف طال «محور بلدة اللطامنة وقريتي الزكاة والأربعين شمال شرق قريتي تل ملح والجبين في ريف حماة الشمالي»، مضيفة أنه «شمل عمق مواقع انتشار التنظيمات الإرهابية في ريف إدلب الجنوبي».
على صعيد مواز، أعلنت وزارة الدفاع التركية، أمس، أن الجولة الثانية من المباحثات مع الجانب الأميركي بخصوص «إقامة منطقة آمنة شمالي سوريا» ستُستأنف اليوم في العاصمة أنقرة. وبحسب ما أفادت به الصحف التركية، فإن المفاوضات حالياً متعثرة حول عمق «المنطقة الآمنة»، إذ تطالب أنقرة بشريط عرضه 30 كلم، فيما ينص الاقتراح الأميركي على 15 كلم فقط. كما تريد تركيا أن تسيطر وحدها على هذه المنطقة، بينما تريد واشنطن أن تكون شريكة فيها. وفي هذا الإطار، ذكرت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية، أمس، أن العرض الأميركي، الذي وصفته بـ«الأخير»، يشمل «تنفيذ واشنطن وأنقرة عملية مشتركة لتأمين منطقة حدودية بعرض نحو 140 كلم وعمق 15 كلم، وانسحاب المقاتلين الأكراد من المنطقة، وإزالة تحصيناتهم وتسيير دوريات مشتركة في ثلث الأراضي بين نهر الفرات والعراق، قبل تطهير الثلثين المتبقيين لاحقاً». ولاحقاً، قال متحدث باسم «البنتاغون» إن «النقاشات ستستمر طوال هذا الأسبوع»، آملاً «التوصل إلى نتيجة ملموسة وقريبة»، فيما أشارت متحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية إلى أن «بلادها تواصل بحث موضوع المنطقة الأمنية مع السلطات التركية، وتعتبر هذا الحوار الطريقة الوحيدة لضمان الأمن في المنطقة الحدودية».
وكانت تركيا أكدت، مرات عديدة، أنه إذا لم تكن المقترحات الأميركية «مرضية»، فستشنّ عملية في سوريا لإقامة «منطقة آمنة بشكل أحادي»، وهو ما تتخوّف منه الولايات المتحدة. وبالنظر إلى أن «واشنطن بوست» أشارت في تقريرها إلى أن «الإدارة الكردية في شمال شرق سوريا تستعدّ لحرب ضد تركيا، حيث تم حفر كثير من الأنفاق وإقامة مستشفيات ميدانية تحت الأرض، وتحويل عشرات المنازل إلى مواقع محصنة»، فإن مسار المحادثات الجارية راهناً في أنقرة سيكون حاسماً في رسم الصورة المستقبلية لشرق الفرات.
|