لم يعد الحديث عن حضور صيني فعال في سوريا مجرد تقدير خبراء أو نتيجة أبحاث أكاديمية، بل هو حاضر أيضاً لدى أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية. هذا ما نقلته صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن مصدر أمني رفيع، أكد أن من سيعيد إعمار سوريا هم الصينيون، مشيرة إلى أن هذه الفرضية هي السائدة لدى الخبراء منذ سنتين، متوقفة كذلك عند ما تفرضه هذه الحقيقة على الحكومة والجيش من ضرورة الاستعداد للتعامل مع آثارها على المكانة الاستراتيجية لإسرائيل.
وعبّرت «يديعوت» عن المخاوف ـــ التي يبدو أنها انعكاس لما هو متداول في دوائر مختصة ـــ من ألّا تُتخذ القرارات في إسرائيل حول هذه القضية إلا بعد فوات الأوان، وأن يكون التعامل معها سطحياً. ولفتت في هذا السياق إلى أن إسرائيل سبق أن صدّقت في عام 2015 على إدارة شركة صينية لمرفأ حيفا لمدة 25 عاماً، على أن يُمدَّد ذلك لمدة 25 سنة أخرى. لكن بالرغم من أهمية هذا القرار، إلا أنه اتُّخذ دون عمل منظم، أو دراسة للآثار التي يمكن أن تترتب عن مشاركة الصين على المدى الطويل في البنية التحتية الاستراتيجية في الدولة العبرية. نتيجة ذلك، تواجه إسرائيل اليوم إرباكاً سياسياً، بعدما أعلن الأميركيون أن مشاركة الصين في مرفأ حيفا تُعَد مسّاً بالأمن القومي الأميركي، لأن السفن الحربية الأميركية ترسو في المرفأ، وتخشى واشنطن من تجسّس صيني عليها. وهو ما سيجبر تل أبيب لاحقاً على الاختيار بين الصين والولايات المتحدة. وبهدف تفادي هذا السيناريو، تحاول تل أبيب التوصل إلى اتفاق مختلف.
«القصة الصينية» يمكن أن تكون أكثر دراماتيكية وتعقيداً؛ لأن إعادة إعمار سوريا، مسار سيستمر لعشرات السنوات، مع استثمارات يمكن أن تصل إلى تريليون دولار. وأشارت «يديعوت» إلى أن الاقتصاد السوري خسر حتى عام 2018 نحو 250 مليار دولار، ودُمِّر نصف البنية التحتية، ومن أصل 23 مليون شخص هُجّر قرابة ستة ملايين، وتحول ما يعادل 4 ملايين إلى لاجئين داخل دولتهم. ولإعادة سوريا إلى ما كانت عليه عام 2011، هناك حاجة إلى مشروع لمدة 30 عاماً.
وفي قراءة خاطفة لقدرات الأطراف المعنية بالساحة السورية وخياراتها، رأت «يديعوت» أن الروس لا يستطيعون حمل مشروع كهذا، ولذلك يستثمرون في سوريا في البنية التحتية التي «تُحكِم سيطرتهم»، مثل بنية تحتية كهربائية معينة، أو استثمارات في الجيش. أما إيران، ففي وضعها الاقتصادي «تحتاج إلى ترميم نفسها أولاً». وليس للولايات المتحدة من جانبها «اهتمام» بسوريا، والأوروبيون «يتحدثون فقط»، فيما ليست لدى السعودية «أي رغبة» في مساعدة الرئيس السوري بشار الأسد.
في المقابل، الصينيون لديهم المال والمصلحة في إطار مشروع «طريق الحرير» الذي يريدون استكماله قبيل منتصف القرن. وتشمل الخطة بناء طرقات برية وبحرية بين الصين والسوق الكبرى في أوروبا، وفي الموازاة بسط الهيمنة الصينية في مجال الاتصالات الدولية. وتوقعت الصحيفة أن تطبّق الصين في سوريا النموذج الإفريقي، حيث قامت بعمليات بناء في جزء كبير من دول إفريقيا غير القادرة على الإيفاء بديونها، وهي تسيطر في المقابل على مواردها الطبيعية وتتحكم بشكل خاص بسياستها في خدمة المصالح الصينية.
وختمت الصحيفة الإسرائيلية بالقول إنه عندما يضخّ الصينيون مئات مليارات الدولارات في سوريا، الروس «سيجلسون بهدوء» في مرفأ طرطوس وقاعدة حميميم حيث سيحافظون على مصالحهم هناك، فيما سيضطر الإيرانيون إلى التصرف «بشكل جميل». أما إسرائيل، فستضطر إلى التعايش مع مصالح العملاق الصيني على حدودها. لكن يبقى السؤال، بحسب «يديعوت»، متى سيفكر الإسرائيليون في الاستعداد لذلك؟ تقدّر الصحيفة أنه، وفق الأسلوب الإسرائيلي المتبع، «سيحدث هذا الأمر في اليوم الذي يلي ذلك»، في إشارة إلى التأخر في الاستعداد للتحديات المقبلة.
|