بتاريخ 14/12/1981 نجحت الحكومة الإسرائيلية التي كان يرأسها مناحيم بيكن في تمرير قانون ضم الجولان الى اسرائيل بالقراءة الثالثة والأخيرة تحت قبة الكنيست والذي ينص على: 1 ـ إن قانون دولة إسرائيل وصلاحياتها وإداراتها، ستطّبق على مرتفعات الجولان. 2 ـ يعمل بهذا القانون فور موافقة الكنيست. 3 ـ يكلف وزير الداخلية يوسف بورغ بتنفيذ هذا القرار.
رغم أن صدور القانون الإسرائيلي بضم الجولان جاء في 14/12/1981، إلا أن الممارسات العملية للضم بدأت منذ الأسبوع الأول للاحتلال. فإضافة إلى تشريد معظم سكانه وتهويد أرضه، بدأت إسرائيل تتعامل معه وكأنه جزء لا يتجزأ من أملاكها. فلم يكن مستغرباً أن حكومة مناحيم بيغن الليكودية أدرجت مسألة ضم الجولان على سلّم أولوياتها، بعد إعلانها ضم القدس المحتلة في الفترة الأولى من حكمها، وتيقّنها من امتصاص نقمة المجتمع الدولي بفضل الموقف الأمريكي المساند لها.
أول ردود الأهالي، جاء سريعاً، حيث أصدر حوالي 1200 مواطن من أبناء الهضبة مذّكرة ردّوا فيها على مشروع تسليم الهوية الإسرائيلية لهم، برفض هذا العمل جملةً وتفصيلاً، حيث جاء في المذّكرة: لا يسعنا إلا أن نؤكد من جديد، وأن نعلن للملأ، أنه مهما طال ليل الاحتلال علينا، فلن نتنازل عن هويتنا، وعن كوننا سوريين. تلا ذلك، توجيه بيان للرأي العام العالمي والإسرائيلي، كذّبوا فيه ادعاءات إسرائيل، أن سكان الجولان سلّموا بأمر الاحتلال.
في تاريخ 25/3/1981، عقد اجتماع حاشد في بلدة مجدل شمس، حضره آلاف المواطنين من جميع القرى، أصدروا خلاله وثيقتهم الوطنية، التي حددوا بموجبها مسيرة حياتهم اليومية، وتعاملهم مع اسرائيل، ومع بعضهم.
قرر أهالي الجولان مواجهة إسرائيل على طريقتهم. فبعد فشلها بفرض جنسيتها على سكان المرتفعات السورية المحتلة، بادرت إسرائيل إلى إقرار تشريع ضم الجولان مصعدة إجراءاتها القمعية بحق المواطنين السوريون، من اعتقالات إدارية إلى حملات تفتيش ومداهمة، وإعلان منطقة الجولان منطقة عسكرية مغلقة.
ورداً على ذلك، عقد سكان الهضبة اجتماعاً بتاريخ 14/2/1982 في خلوة مجدل شمس، قرروا خلاله إعلان إضرابهم المفتوح والشامل
التزم سكان الجولان بالقرار الشعبي بشكل تام، حيث أغلقت المحلات التجارية، وتوقف المزارعون عن أعمالهم، وأغلقت المدارس أبوابها، ولم يذهب العمال إلى أماكن عملهم، ما دعا إسرائيل إلى فصل العاملين وحرمانهم من كل حقوقهم. وتهديد السكان بالطرد، إذا هم واصلوا رفض القانون الإسرائيلي. وداهمت قوات الاحتلال الإسرائيلي البيوت معتقلة عددا من المواطنين، ومرفقة ذلك باستعراضات عسكرية لجنودها داخل القرى، ثم حظر التجول على سكانها، ومنعت الأطباء والمساعدات المقدمة من الضفة الغربية والجليل والناصرة من الوصول إلى المنطقة، كما منعت مرضى الهضبة من الخروج للعلاج خارج قراهم. إضافة إلى منعها الصحفيين من الدخول إلى الجولان للكشف عن الواقع المأساوي الذي يعيشه الأهل حتى المواشي، أخضعتها إسرائيل لقرارات حظر التجول، ولم تتّردد من تصويب بنادقها على الرعاة الذين لم يلتزموا به.
راح الوضع يزداد سوءا في الهضبة يوماً بعد يوم، وأخذت إسرائيل تـَتَفَنن في ابتكار وسائل الإرهاب والقمع، فزجت بعدد كبير من جنودها في شوارع القرى، وكإجراء تخويفي آخر استقدمت عدداً من المجنزرات الحربية، التي راحت تجوب الشوارع ليلاً نهاراً، في محاولة لدب الرعب في قلوب الأهالي.
عدد من الجنود الإسرائيليين جابوا القرى، معلنين عبر مكبرات الصوت أن كل من لا يتقدم بطلب الحصول على الهوية الإسرائيلية حتى 1 نيسان من العام نفسه، سيقدم إلى المحاكمة ويغرم بمبالغ طائلة.
استمر هذا الوضع بالتأزم حتى تاريخ 31/ 3 / 1982، حيث استقدمت إسرائيل حوالي 16 ألف جندي إلى قرى الهضبة، فمقابل كل طفل أو سيدة أو شيخ كان هناك جندي إسرائيلي مدجج بالسلاح ويزيد، معززين بعدد كبير من المجنزرات والحافلات العسكرية، مدعمين بالحوامات. عُزلت قرى الجولان تماماً عن العالم الخارجي، وحوصر أهلها في خلوة مجدل شمس ومحيطها، حيث حضر آرييل شارون وزير الحرب وقائد المنطقة الشمالية أمير دروري، وهددا بقصف الخلوة ومحيطها بمن فيهما.
وفي صباح 1/4/ 1982 أحكم تطبيق الحصار، وتوزع عدد من الجنود على أسطح المنازل، ومنع الأهالي من مغادرة بيوتهم أو حتى فتح ستائر نوافذهم. ثم انطلقت قوات الجيش الإسرائيلي على شكل مجموعات، كل منها تتألف من حوالي 15 جنديا، دخلوا إلى كل بيت في القرى الأربع.
راح الجنود يدخلون المنازل مستخدمين الحوار والطرق الدبلوماسية بادئاً، لإقناع الأهالي بتسلم الهويات التي أعدت لهم مسبقاً، وما إن يرفضونها، حتى ينهال الجنود عليهم بالضرب بأعقاب بنادقهم، ثم اعتقال من يقاوم بطشهم. حولت إسرائيل المدارس إلى معتقلات، بعد أن خرب الجنود أثاثها، ولجأت إلى أساليب تعذيب بدائية وحشية، إضافة لإطلاق النار على البعض، والذي أدى لإصابات بالغة الخطورة
استمرت هذه الحملة ثلاثة أيام متواصلة، بتغطية ودعم كاملين من الإذاعة والتلفزة في إسرائيل، والتي حاولت عبثاً تسميم نفوس المواطنين، تارةً بالإعلان أن وجهاء الهضبة وكبار الشخصيات الوطنية فيها استلموا الهويات الإسرائيلية، وما على المواطنين إلا قبولها، وتارة أخرى بالتهديد وإطلاق الويلات على السكان بهدف الضغط والتخويف.
فُك الحصار بعدها، وكانت النتيجة فشل القوات الإسرائيلية بكل وسائل الترغيب والقوة والتهديد وإطلاق الرصاص بتوزيع الهوية الإسرائيلية على السكان. وبعد فك الحصار، احتشد الأهالي في ساحات القرى الأربع، جامعين الهويات التي تركها الجنود خلفهم في الشوارع والأرصفة والأزقة، وأمام أعين الجنود وعدسات الصحفيين، داسوها بأرجلهم وحرقوا بعضها، وتم وضع بعضها الآخر في صناديق، ثم أرسلوها إلى رئيس وزراء إسرائيل، مناحم بيغن في ديوانه.
فشلت إسرائيل في كسر شوكة الإضراب وإرغام المواطنين على استلام هوياتها. ومن جديد، عادت المظاهرات والمسيرات تجوب شوارع القرى، معلنة رفضها للاحتلال، وعازمة على الاستمرار في الرفض حتى تتراجع حكومة بيغن عن تشريعها.
إسرائيل من جهتها، اعترفت بفشلها في تحقيق مخططها في الهضبة السورية المحتلة بعدم النجاح بفرض الجنسية الإسرائيلية على السكان وتالياً فرض الخدمة الإلزامية على سكانها.
وهكذا، اقتربت نهاية الإضراب بعد أن حقق معظم أهدافه، فدخل الأهالي في مفاوضات مع سلطات الاحتلال عبر وسطاء من وجهاء دروز الداخل الفلسطيني، بهدف الوصول إلى حل مقبول ينسجم مع متطلبات السكان، توصل الجانبان فيها إلى فك الإضراب في 20/7/ 1982 بعد دخول إسرائيل في حرب فاشلة قادتها ضد لبنان.
الوثيقة الوطنية للمواطنين السوريين في المرتفعات السورية المحتلة
نحن المواطنون السوريون في المرتفعات السورية المحتلة، نرى لزاماً علينا أن نعلن لكل الجهات الرسمية والشعبية في العالم أجمع، ولمنظمة الأمم المتحدة ومؤسساتها، وللرأي العام العالمي والإسرائيلي، ومن أجل الحقيقة والتاريخ، وبصراحة ووضوح تامين عن حقيقة موقفنا من الاحتلال الإسرائيلي، ودأبه المستمر لابتلاع شخصيتنا الوطنية، ومحاولته ضم الهضبة السورية المحتلة حيناً، وتطبيق القانون الإسرائيلي علينا حيناً آخر، وجرّنا بطرق مختلفة للاندماج بالكيان الإسرائيلي، والانصهار في بوتقته، ولتجريدنا من جنسيتنا العربية السورية، التي نعتزُّ ونتشرّف بالانتساب إليها، ولا نريد عنها بديلاً، والتي ورثناها عن أجدادنا الكرام، الذين تحدّرنا من أصلابهم، وأخذنا عنهم لغتنا العربية التي نتكلّمها بكل فخر واعتزاز، وليس لنا لغة قومية سواها، وأخذنا عنهم أراضينا الغالية على قلوبنا وورثناها أباً عن جد منذ وجُد الإنسان العربي في هذه البلاد قبل آلاف السنين.
أراضينا المجبولة بعرقنا وبدماء أهلنا وأسلافنا، حيث لم يقصروا يوماً في الذود عنها وتحريرها من كل الغزاة والغاصبين على مر التاريخ، والتي نقطع العهد على أنفسنا أن نبقى ما حيينا أوفياء ومخلصين لما خلفوه لنا، وأن لا نفرط بشيء منه مهما طال زمن الاحتلال الإسرائيلي، ومهما قويت الضغوط علينا من قبل السلطة المحتلة لإكراهنا أو إغرائنا لسلب جنسيتنا، ولو كلّفنا ذلك أغلى التضحيات، وهذا موقف بديهي وطبيعي جداً أن نقفه، وهو موقف كل شعب يتعرّض كله أو جزء منه للاحتلال. وانطلاقاً من شعورنا بالمسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقنا تجاه أنفسنا وأبنائنا وأجيالنا القادمة أصدرنا هذه الوثيقة.
1ـ هضبة الجولان المحتلّة، هي جزء لا يتجزأ من سوريا العربية. 2 ـ الجنسية العربية السورية، صفة ملازمة لنا لا تزول، وهي تنتقل من الآباء إلى الأبناء. 3 ـ أراضينا هي ملكية مقدسة لأبناء مجتمعنا السوريين المحتلين، وكل مواطن تسُّول له نفسه أن يبيع أو يتنازل أو يتخلى عن شبر منها للمحتلين الإسرائيليين يقترف جريمة كبرى بحق مجتمعنا، وخيانة وطنية لا تغتفر. 4 ـ لا نعترف بأي قرار تصدره إسرائيل من أجل ضمّنا للكيان الإسرائيلي، ونرفض رفضاً قاطعاً قرارات الحكومة الإسرائيلية الهادفة سلبنا شخصيتنا العربية السورية. 5 ـ لا نعترف بشرعية المجالس المحلية والمذهبية، لكونها عينّت من قبل الحكم العسكري الإسرائيلي وتتلقى تعليماتها منه، ورؤساء وأعضاء هذه المجالس لا يمثلوننا بأي حال من الأحوال. 6 ـ إن الأشخاص الرافضين للاحتلال من خلال مواقفهم الملموسة، والذين هم من كافة قطاعاتنا الاجتماعية، هم الجديرون والمؤهلون للإفصاح عمّا يختلج في ضمائر ونفوس أبناء مجتمعهم. 7 ـ كل شخص من هضبة الجولان السورية المحتلة، تسوّل له نفسه استبدال جنسيته بالجنسية الإسرائيلية، يسئ لكرامتنا العامة، ولشرفنا الوطني ولانتمائنا القومي ولديننا وتقاليدنا، ويعتبر خائنا لبلادنا. 8 ـ قرّرنا قراراً لا رجعة فيه وهو: كل من يتجنس بالجنسية الإسرائيلية، أو يخرج عن مضمون هذه الوثيقة، يكون مجحوداً ومطروداً من ديننا ومن ترابطنا الاجتماعي، ويحرّم التعامل معه، أو مشاركته أفراحه وأحزانه أو التزاوج معه، إلى أن يقرَّ بذنبه ويرجع عن خطأه، ويطلب السماح من مجتمعه، ويستعيد اعتباره وجنسيته الحقيقية.
لقد اعتمدنا هذه الوثيقة، مستمدّين العزم من تراثنا الروحي والقومي والإنساني الأصيل، الذي يحضًّنا على حفظ الإخوان، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والوفاء العميق للوطن .
25 ـ3 ـ1981
_________________ * بتصرّف من مقالة الصحفي حسان شمس, في ذكرى ضم الجولان - دراسة موثقة
|